ساهم دخول داعش الى مدينة الموصل في تنامي احتمالات اعادة تشكيل خطوط النفوذ (Lines of Influence)في دول الاقليم المتجاورة، ونعني بخطوط النفوذ هو قدرة الدول الاقليمية من التوجيه والتأثير على مجمل الازمات التي تحصل في دول أخرى مجاورة لها، ونستطيع استخدام نموذجين تطبيقين لأثبات ما نعني به حول خطوط النفوذ في الازمة العراقية بعد 2003 والسورية بعد 2011.
في العراق بعد تمكن داعش من الموصل انكشفت خطوط النفوذ ومدياتها في الجغرافيا السياسية اذ نلاحظ ملامح تلك الخطوط قد أصبحت بشكل الاتي:
- خط النفوذ والتأثير الايراني وموجهاته السياسية والامنية.
- خط النفوذ والتأثير التركي وتدخله في جغرافيا الصراع العسكري الدائر مع داعش.
- خطالنفوذ الخليجي بما متاح له من أمكانيات.
عند العمل على تحليل معطيات خطوط النفوذ الثلاثة نجد أننا امام واقع أقليمي متغير نتيجة لاختلاف شكل الأنظمة السياسية، وطبيعة رؤيتها للعلاقات الاقليمية، وحاجتها للتدخل في شؤون الدول المجاورة لها، وهذا ما حصل مع العراق بعد 2003 حيث تحول العراق الى نموذج في تباين طبيعة التعامل مع الجوار الجغرافي، ما دفع دول الجوار الجغرافي، وبحسب قدراتها السياسية ومشتركات الاجتماعية والتاريخية مع العراق، نحو أستثمار هذا التباين ، فالجوار الجغرافي قائم على ركيزتين هما (المتاخمة المكانية) و(الروابط والوشائج) في الركيزة الاولى نجد ان المتاخمة المكانية تحقق في (ايران ، تركيا ، السعودية ، سوريا ، الاردن ، الكويت) الفاعل فيها ما تشير اليها مضامين خطوط النفوذ وامكانية التأثير ، فما تمتلكه ايران من نفوذ وتأثير غير ما تعمل عليه تركيا من محاولة امتلاك وسائل النفوذ السياسية والعسكرية والاقتصادية بشكل مباشر وغير مباشر وتوظيفها في الازمة العراقية .
جاءت أزمة الموصل كمثال عملي لكينفهم من خلاله كيف تتصارع تلك الخطوط في سعيها لامتلاك اكبر قدر من التأثير، اذ أعيد الانتباه لأهميةملف الحدود ومعناه السياسي في بناء قدرات ووسائل تمنح الدول المؤثرة على العراق فاعلية أكبر، وما تشهده الحدود العراقية – السورية مصداق لذلك، وكأننا امام عودة لمفهوم (المجال الحيويللدولة) الذي نظر له فريدريك راتزل مؤسس علم الجغرافيا السياسية الذي تعامل مع الدولة ككيان سياسي عضوي يقع على مساحة جغرافية مناسبة تعدُّ اساس بقاءه او كما يسميها راتزل(منطقة البقاء) فلو أخذنا هذا المفهوم وحللنا به ما يجري في الموصل نجد أنَّ منطقتي سنجار وتلعفر هما تعبيران حقيقيان عن معنى المجال الحيوي وعوامل البقاء لوحدة النموذج العراقي بعد معركة التحرير،فقضية انهاء وجود داعش في تلعفر هو مشتبك مع خطوط النفوذ التي ذكرناه سابقاً،وسنجار عامل اختبار للحفاظ على الشكل الاجتماعي التي عاشته المدينة سابقا .
الموصل: السيناريوهات المتوقعة
أجَّلَأكتمالُ تحرير المناطق التي أحتلها داعش بيانَ شكلِ الصراع الاقليمي والمديات التي وصلت في تأثيرها خطوط النفوذ المتحركة في الواقع الميداني والسياسي ، فضلا عن ذلك إنَّ معضلة ربط الحدود السورية بمعطيات معركة تحرير الموصل أخَّرَتْ رسمَ الصورة النهائية والواضحة لمخرجات الصراع ، فما جرى في منطقة التنف الحدودية كان حركةَاختبارٍ لما هو قادم ؛ وعلى ضوء ذلك، هناك نوعٌ من التعدد والاختلاف في طرح السيناريوهات لشكل الادارة لمدينة الموصل ما بعد تحريرها ، لان ما يتم طرحه من أيِّ تصور أو مقترح حول الموصل لاينفصل عن خريطة خطوط النفوذ الاقليمية، وما تقدمه من ترتيبات مرتبطة بمتطلبات أمنها الاقليمي والسناريوهات الابرز هي :
1-الإدارة العسكرية والأمنية بنموذج حاكم عسكري.
2-أسلوب المربعات الامنية عن طريق تقسيم المدينة الى مناطق متجانسة أثنياًوقومياً.
3-نموذج الإدارة المشتركة (عراقي – كردي).
4-نموذج الإدارة المشتركة ثلاثية(عراقي – كردي – دولي).
ولكي نقارب مدى واقعية أيٍّ من السناريوهات المتوقعة علينا ربطها بقوة وضعف أيٍّ من خطوط النفوذ الاقليمي في تأثيرها على الازمة العراقية ، وملاحظة علاقة كل خط نفوذ وأرتباطه بمعطيات العامل الدولي ، ولذلك كلما أستوعب العراق وصاحب القرار فيه أهمية الموقع الجغرافي بوصفه أحد مقومات بقاء الدولة، اذ من خلال ذلك يمكن تحديد مجال أقليم الدولة وسمته القانونية والسياسية، وهو أيضا – اقليم الدولة – من يعين فاعلية دول الجوار التي تقع على حدودِها؛ ولذلك؛ تخضع علاقات الجوار الجغرافي لإطارِ المعطياتِ المادية التي يقيدها الموقع الجغرافي والتي لامجال لتغييرها ، وحتى لا نقع في مبدأ الحتمية الجغرافية وإنما نحن بحاجة الى إعادة نظر في العلاقة بين التاريخ والجغرافية وما ينعكس منها على بناء السلطة والاستقرار في العراق .
– علاء حميد