وأد حلم الشعب الكردي في اقامة دولة قومية في اكثر من محاولة ، ولعل مشهد اعدام شيخ محمد … رئيس دولة مهاباد الكردية عام ١٩٤٦، يشكل الحد الفاصل بين الحلم والواقع ، وإذا ماوضعنا مشروع حرية الشعوب فيتقرير مصيرها مقابل حرص ال ( الآخر) أي الدول القومية التي تحتضن تواجد الشعب الكردي في الشرق الأوسط، فأن صور الإبادة والقتل والأنفال ودفن القرى وابنائها أحياء، تشكل الرديف الدلالي لهذا التاريخ المضمخ بعطر التضحيات ومرارات الإذلال والإلغاء والتهميش . الشعب الكردي في كردستان العراق ، لعله الاكثر حظوة في الحصول على حقوق متساوية مع العراقيين رغم قساوة النظام السابق واسلوب الإبادة التي استخدمها مع حركة التمرد والثورة الكردية، كما استطاع الاكراد ان يشكلوا حضورا ومشاركة فاعلة في عنلية التغيير بعد ٢٠٠٣ ونالوا من الحقوق والإمتيازات التي تقارب الحلم التاريخي بنشوء دولة كردية، وتحقق هذا في اقليم كردي وادارة مستقلة وبرلمان خاص بالإقليم وحريات لاتعد ولاتحصى، ترافقها عنليات نمو واستثمار وتنمية صار يشار لها على المستوى الاقليمي والدولي ، كما اصبحت لهم قوات حرس الاقليم ( البيشمركة) امتيازات وحقوق وحياة لم تتح للكرد بأي من دول تواجدهم . استعجال تحقيق الحلم الكردي دون توفر قواعد اللعبة الدولية والظروف الموضوعية ، وبحسب الواقع القائم منذ مائة عام تقريبا، لايجعل من هذا الحلم سرابا وحسب ، إنما وبالا ً على الشعب الكردي، ومن هنا نجد ان اجراء الإستفتاء لإستقلال كردستان، تعد مغامرة تقارب الإنتحار السياسي، والأمر هنا لايتعلق بالإجراءات التي اتخذتها حكومة العراقية الاتحادية وبرلمانها وحسب ، إنما يتعلق بدول الجوار العراقي، اذ يعيش في تركيا نحو عشرين مليون كردي ، وفي ايران نحو سبعة ملايين كردي، وطرح موضوع استقلال دولة كردية على حدود الدولتين سوف يشكل تهديدا للأمن القومي لكل من تركيا وايران، من هنا فلن تتورع الدولتان على بذل قصارى جهدها وقوتها في منع نشوء هكذا جيب قومي محرض على تفكيك هاتين الدولتين ( حسب خطابهما ). قراءة الخارطة الأثنية والقومية والمذهبية في كل من تركيا وايران ، تجد ان هناك العديد من الاقليات القومية التي تشكل نسب لايستهان بفعلها وتأثيرها مثل الكرد والبلوش والعرب والعلويين والأذريين وغيرهم ، وهي متآخية او واقعة تحت تأثير قوة الدولة القومية ومنصهرة معها، واي وجود لدولة كردية ،مهما كان حجمها أو تأثرها، سوف يثير النزعات العرقية والمذهية لدى بقية التشكيلات الفرعية ، من هنا فأن خشية كل من تركيا وايران على ثبات استراتيجية الأمن القومي يمنع منعاًباتا من مجرد التفكير بهكذا نزعة انفصالية، ومنهنا يجد المراقبون ان تركيا وايران في أتم الجاهزية للتدخل العسكري وسحق مشروع هذه الدولة المزعومة. وإذ نجد عملية غلق الاجواء والحدود والتحذيرات والتهديدات قد بدأت مع اعلان الاستفتاء، فأن الارادات الدولية لكل من العراق وتركيا وايران قد اتفقت على منع هذا الإجراء وقطع الطريق عليه ، وفي الوقت الذي يمتثل العراق الى قواعد الدستور الذي شارك الاكراد بكتابته وتخلوا عنه في مشروع الاستفتاء، فأن كل من تركيا وايران يعتمدان القوانين الدولية في الحفاظ على أمنهم القومي ووحدة التراب الوطني لهذه الدول . ان حكومة اقليم كردستان قد وجدت نفسهامعزولة عن المجتمع الدولي، ولم تبارك لها أي من الدول الإقليمية أو الكبرى بخصوص نتائج الاستفتاء، مايعني ان العالم لم يكن معها، سيما امريكا والاتحاد الأوربي ومنظومات دول التحالف الدرلي التي لم تنجزمهمتها بعد في الحرب والقضاء على داعش، وتجد في عملية الاستفتاء تشتيتاً للجهد ووحدة الموقف ، ربما تكون اسرائيل الدولة الوحيدة التي اعلنت دعمها وتأييدها لنسروع الإنفصال لأنها تسعى لتشكيل مثابات متقدمة ومجاورة لدول تحسبها عدوة مثل ايران وتركيا . ربما ساور بعض السياسيين الكرد وبوصية من المستشارين السياسيين الاجانب الذين تعتمدهم حكومة الاقليم وجلهم من اليهود ، فكرة ان تنشأ دولة كردية على غرار نشوء دولة اسرائيل، بمعنى تبدء وسط اعتراض اقليمي ودولي ومع الوقت تتحول الى واقع لابد مو الإعتراف به ، وهنا اعتقد انهم أخطأوا في رسم هذا السيناريو ولعدة اسباب أبرزها، ان دولة اسرائيل نشأت وسط انظمة عربية خاوية ضعيفة ومحتلة من قبل البريطانيين الذين تعهدوا بنشوء دولة قومية لليهود وساندوها بكل الوسائل وانواع القوة . الأمر الآخر والأهم ان الدولة الكردية المزمع قيامها سوف تكون بين دولتين كبيرتين هما تركيا وايران، لايسمحان أبدا بقيام هكذا دولة، لأنها ستكون المعادل الواقعي لتفتت هذه الدول الكبيرة وتحولها لدويلات صغيرة على غرار الدولة الكردية، الأمر الذي يجعل هذا الاحتمال الممكن مصدر خوف وتهديد حقيقي لهما، كما يبعث قلق دول العالم الأخرى على نشوء الفوضي وعدم السيطرة وتناسل بؤر الأرهاب والتهديد لأوربا وآسيا وبقية العالم . خلاصة القول ان حلم الدولة الكردية بخطوته الأولى ،استفتاء كردستان، قد جاء في المكان الخطأ نظرا ً للواقع الجيد الذي يعيشه الكرد داخل العراق، ويتكرس الخطأ بل الخطر اكثر لأنه يقام على حدود دولتين لاتسمحان لها بالنشوء وقد جهزت نفسها لسحقها بعد ان اتهمت الكرد بالخيانة، اضافة لعدم تعاطف العالم معها، لأن توقيتها واسبابها لم تكن مقنعة للدول الكبرى والأمم المتحدة ، وفشل هذا المشروع سوف يقضي بوأد تاريخي ولا اقول أبدي ، لمشروع الدولة الكردية
. فلاح المشعل