الدولة الكردية والتحدي الاقتصادي
هل يمكن لدولة أن تقوم على أرض الواقع من دون إقتصادٍ قويٍ ومتين يؤهلها لمشاريع التنمية ؟، إنَّ هذا التساؤل يمكن أن يكشف هشاشة الموقف الكوردي الذي يصر على الاستفتاء الحالي، والانفصال الذي يلوحُ في أفق أحلام بعض ساستهم، ولعل إدراك الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني لهذه الحقيقة جعله ينظر إلى الأمر بعقلانية أكبر وواقعية أوضح حين قال “إنَّ أحلام الدولة الكردية في خيال الشعراء والأدباء ، وإنما في السياسة هناك فن الممكن ، والكردي العاقل لا يفكر في الانفصال عن العراق أبداً ” .
نظرة بسيطة لخسارات الكرد الاقتصادية بعد 25/9/2017 سيجعلهم أمام حقيقة تاريخية ، وهي أنَّ ساسة الشعب الانفصاليين يذهبون بالشعب الكردي إلى أتون المجهول ، ولعل أولى الخسارات المنظورة هي خساراتهم لحصتهم كمواطنين عراقيين في الدولة العراقية من الموازنة العامة والتي بلغت أكثر من سبعة عشر ترليون دينار عراقي ، وهذا المبلغ يمكن أن يشكل عقبة كبيرة أمام الدولة المزمع إقامتها ولا سيما أنَّها ملزمة بدفع رواتب موظفيها وعسكرييها وقوات أمنها ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فقد فقدت حكومة الإقليم السيطرة على المنافذ الحدودية الرئيسة والمعروفة والتي يتحرك الاقتصاد الكردي من خلالها ، أما حركة المطارات فقد أوقفت بالكامل ، فضلاً عن تراجع حركة السياحة بين بغداد وأربيل نتيجة الوضع الراهن ، ما دعا هيئة السياحة في اقليم كردستان إلى دعوة الشركات السياحية الى استئناف عملها من جانب ، ومن جانب آخر المشاركة في المنتدى السياحي الذي يعقد في الاقليم والذي يبحث ابتعاد وتحييد حركة السياحة وعدم خضوعها لسياسات الاقليم والمركز ، فيما يبقى الخاسرُ الأكبر هو المواطن الكردي الذي بدأ يتجه إلى تخزين المواد الغذائية والاحتياجات الضرورية الأخرى مما أدى إلى إرتفاع اسعارها وسط مخاوف المواطنين الكرد وتخوفهم من المصير المجهول ، بينما تعاني اليوم بقية السلع والمواد الأخرى كساداً واضحاً أثر في قدرة الفرد الكردي على الشراء نتيجة توقف المصالح والأعمال الحرة والمشاريع الفردية الصغيرة ، فقد وصل برميل النفط الأبيض سعة (200) لتر الى أكثر من 180 الف ، وقفز سعر لتر البانزين إلى 800 دينار بعد أن كان سعره 500 دينار ، في حين بلغ سعر اسطوانة الغاز السائل إلى 12 ألف دينار في الإقليم بينما وصل إلى أكثر من ذلك في القرى والأرياف البعيدة بعد أن كانت ب6 آلاف فقط .
إنّ حجم الخسارات غير المنظورة يبدو أكبر بكثير من الخسارات الآنية ، فما الذي يدفع ساسة الإقليم إلى جرِّ الشعب الكردي إلى هذا الفخ ، وكيف ستصمد دولة بلا ميزانية ، أو موارد ، فالصناعة ستتوقف تدريجياً نتيجة انسحاب رؤوس الأموال العربية والتركية والإيرانية بل وحتى الأوربية من الإقليم ، وقد أعلن أكثر من (19) مستثمراً كبيراً إنسحابهم من مشاريع عملاقة واستراتيجية من إقليم كردستان العراق ، بينما حوصرت منافذ تصدير النفط الخام والذي سيدفع بالكرد إلى بيعه أقل من السوق مما يقلل الفائدة من هذه الثروة إلى أدنى مستوياتها ، ولاسيما أنَّ الحكومة العراقية رفعت دعوى قضائية في متابعة ملف النفط الذي يهرَّب من الإقليم ويباع بعيداً عن رقابة وزارة المالية الإتحادية ، ومن ضمن هذا الملف ستكون هناك ملاحقة كبار السياسيين الذين يُعْتَقَد أنهم متورطون في ملفات الفساد وأنَّ أموال النفط المصدر من الإقليم قد ذهب إلى تلك حساباتهم الشخصية ، مما يضيق الخناق على حركتهم الإقتصادية في حال استثمروا تلك الأموال في الإقليم .
ثمة أمرٌ آخر ، وهو أنَّ هناك عقوبة ستحددها المحكمة الإتحادية قد تصل إلى الفصل من الوظيفة للكثير من الشخصيات الكوردية التي ساهمت في الاستفتاء بوصفه فعلاً غير دستوري يساهم في تمزيق وحدة الصف الوطني ، وتشتيت أراضيه مما يعدُّ خيانةً عظمى ، وبذلك سيخسر الكرد الكثير من وظائفهم في الدولة العراقية ، ، كل ذلك والإقليم ماضٍ في الاستفتاء ، في حين أنَّ الحل كما تراه حكومة المركز بسيط جداً ، يكمن في إلغاء الاستفتاء ونتائجه ، والعودة إلى حضن الوطن .
أحمد الويس